تدخل محل من المحلات المنتشرة فى منطقتك لشراء منتج استهلاكى بسيط ولنفترض منظف مثلاً، سألت العامل الواقف هناك أو صاحب المكان عما إذا كان هذا النوع أفضل أم الذى بجواره، نظر إليك بلا مبالاة وقال "أى حاجة كله زى بعض".. أقسمت أنك لن تدخل هذا المكان أبداً فى المستقبل لشراء أى شئ.
دخلت المحل المجاور .. سألت العامل هناك نفس السؤال، فرحب بك وأخبرك ما الفرق بين هذا وذاك والسعر والجودة.. الخ، ونويت حينها أن تظل تشترى من هذا المحل طالما يعرفون كيف يعاملون زبائنهم!
الآن .. ماذا خسر المتجر الأول؟ وماذا كسب المتجر الثانى؟ هل خسروا أو كسبوا منظف بقيمة ربحية تساوى بضعة جنيهات أو دراهم؟ إذا كانت إجابتك بنعم .. فهى للأسف ليست الإجابة الدقيقة من وجهة نظرى .
إذا خرجنا من دائرة المتاجر والمحلات الصغيرة ودخلنا إلى معمعة المتاجر والشركات العملاقة، نجد أن الحسبة مختلفة، لم يعد هناك عميل المرة الواحدة، ولكننا أصبحنا نسمع مصطلح قيمة عميل مدى الحياة – Customer Lifetime Value
إذا أرادت "بيبسى" أو "تويوتا" أو "وول مارت" أو أى كيان كبير آخر أن يقيمّك تسويقياً فإنه يحسب قيمة المشتريات التى ستشتريها منه إذا وصلت لدرجة من الولاء التى لا تجعلك تفكر فى منافس له، وبالتالى بيبسى لن تقدر قيمتك ب 1 دولار على سبيل المثال، بل ستحسبها كالآتى:
بافتراض أن عمرك 20 سنة ، ومتوسط الأعمار هو 50-60 سنة ، وأنت تشترى البيبسى ثلاث مرات فى الأسبوع، وبافتراض ان متوسط ربح بيبسى هو 20 سنت فى المرة، فهى عندما تخسرك كعميل لها لا تخسر كما كانت تظن الشركات قديماً 20 سنت فقط، انها تخسر 12مرة شهرياً* 12 شهر* 60 سنة * 20 سنت = حوالى 1728 دولار.
هذه المعادلة هى ماتطلق الشركات على نتيجتها ما يعرف باسم قيمة العميل النقدية – Customer equity، وهى تعتبر العميل هنا لا يفرق شئ عن أى أساس آخر تمتلكه فى الشركة، وتقدره بقيمة، وحينها تدخل هذه القيمة التسويقية الجديدة، فى حساباتها المالية ومديوناتها، وتعتبر فقدان هذه القيمة هى فقدان لقيمة أو أساس من أساسات الشركة.
إن عميل تويوتا إذا وصل لمرحلة من الإشباع و الرضا عن سيارات تويوتا، سيشتريها مرة لابنه، ومرة إذا احتاج لتبديل سيارته بأخرى جديدة، ومرة سيوصى بها لأصحابه وأقاربه، وبهذا تزيد قيمة هذا العميل السعيد، وتصبح القيمة الشرائية لعميل مدى الحياة لتويوتا لا تساوى إطلاقاً قيمة السيارة الشخصية التى يمتلكها فقط، بل تتعداها لتشمل أكثر من سيارة تويوتا سيمتلكها على مدار حياته.
هذا هو السبب الذى من أجله تفعل الشركات المستحيل من أجل رضا عملائها، وفن الإشباع أو الاحتفاظ بالعملاء وتحويلهم إلى عملاء على درجة عالية جداً من الولاء كما تفعل آبل و هارلى ديفيدسون وغيرهم من العلامات المعروفة بولاء عملائها، هذا الفن له قصة كبيرة تبدأ بقدرة الشركات على معرفة احتياجات العميل، وتنتهى بقدرتها على إدارة العلاقة مع العميل بشكل رائع، ربما أكتب عنه فى المرات القادمة.
أخيراً أريد الإشارة لنقطة هامة مرتبطة بهذا الموضوع، وهى أنه مع اشتداد المنافسة بين الشركات، لم يعد هناك فراغ تتنفس فيه الشركات وتقول بملئ فيها "إذا خسرنا عميل، فهناك الآلاف"، لم يعد هذا المنطق يسرى فى أى شركة محترمة، وهو بالفعل يوجد غير هذا العميل الآلاف، ولكن هل تدرك ما هى تكلفة الحصول على عميل جديد؟
إن تكلفة الحصول على عميل جديد تنقسم بين تكاليف الإعلان الباهظة، وتكاليف رجال البيع الذى تخصصهم الشركات لإتمام عمليات الشراء، وتكاليف عروض البيع، وتكاليف أفكار وتطوير خطط للعلاقات العامة، وهى تكاليف تستطيع توصيلها للحد الأدنى إذا أدرت العلاقة مع العملاء الحاليين بشكل محترف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق